مجموعة انسان

إنسان أنا ،،، يتجمع بداخلي مجموعة بشر ،،،

أحمد الشكيلي



" قــيّـد ألفاضك وراقب أفكارك واحسب للكلمة حساباً فإن الزلة ذلة وخطل الكلم يوجب الندم "
قرأتها في كتاب : قصائد قتلت أصحابها لعائض القرني

الاثنين، 26 أكتوبر 2009

حين تنفستُ الصعداء :.


حين تنفستُ الصعداء :.


قبل سبعة أيام من اليوم وبالتحديد في يوم 19/10/2009 م كنتُ قدكتبت موضوعاً بعنوان لدغتان من جحر واحد استعرضتُ فيه لدغة ثانية أصبتني جراء فقدي لعصى الذاكرة الخاصة بي flash memory ، وقد تألمتُ كثيراً ذاك الوقت بسبب فقدي لها نظراً لما تحتويه من مواضيع كثيرة هامة بالنسبة لي ،، وطال الانتظار واستمرت عمليات البحث ودون فائدة تذكر .


صباح هذا اليوم وأنا أهم بارتداء ملابسي للذهاب الى العمل فأقوم بإخراج إحدى الدشاديش من الكيس الذي تعودنا أن نأخذه من محلات غسيل وكي الملابس فإذا بضالتي تسقط من بين جنبات الدشداشة ،،، دهشت حقاً لهذا الموقف وفرحتُ في نفس الوقت فإن ما كنت أبحثُ عنه عاد ، وقد فكرتُ كثيراً وبحث في كل مكان توقعت أن أكون قد نسيته فيه ولم يتبادر الى ذهني محل غسيل وكي الملابس .


الشيئ الطريف في الأمر أن هذه المحلات جرت على ترميز الملابس بأرقام أو حروف أو أسماء لسهولة الرجوع اليها وتمييزها ومعرفة كل شخص لملابسه وما شد انتباهي أن عامل المغسلة قد قام بكتابة الرقم الخاص بي على عصى الذاكرة ووضع العصى بين الملابس ربما لكي لا ينسى هو الاخر إعطائي إياها أو خشية أن أذهب لآخذ ملابسي وهو غير موجود ... أٌحيي فيه الأمانة ، وأشكر فيه حسن التصرف .

ودمتم بخير .
26/10/2009م

الأربعاء، 21 أكتوبر 2009

كل عام وأنتي أمرأة عمانية

كل عام وأنتي أمرأة عمانية :.


توصيات ندوة المرأة العُمانية التي عُقدت في رحاب المخيم السلطاني بسيح المكارم بولاية صحار خلال الفترة من السابع عشر وحتى التاسع عشر من اكتوبر 2009م كان لها صدى واسعاً ، واهتماماً بالغاً ، حيث استبشر بها نون النسوة كثيراً وربما زغردت الكثير منهن وتهللت أساريرهن فرحاً بما أكرم به القائد على حواء عُمان .
ربما تسآل الكثير من جمع المذكر السالم عن حاجتنا لمثل هذه الندوة وربما تأفف البعض منهم وزمجر البعض الآخر بتشدد غير مقبول في مثل هذا الوقت ، فكلنا نعلم سوياً وندرك جلياً بأن المرأة العمانية قد نالت حظاً وافراً وخيراً كثيراً من معطيات نهضة البلاد ، وهنا لستُ بصدد تكرار ما قد أعُطي لها ومنحت إياه من حقوق ظلت لفترة طويلة مسلوبة منها ومن نساء المجتمع الاقليمي المحيط بنا ، فقد أصبح هذا شيئاً معلوما للجميع والخوض والإسهاب في ذكره لا يضيف شيئاً، ولكن الحاجة إلى هذه الندوة ربما ليتطلع المشككون على ما هية الأدوار التي تضطلعُ بها المرأة وبيان مدى كفاءتها في إدارتها ونجاحها في ذلك فلا ننكر بأن المرأة العمانية استطاعت أن تخوض الكثير من الأعمال وتثبت كفاءتها في ميادين مختلفة عجز عنها الرجل في بعض من الدول المحيطة بنا ، وتستحق الشكر على ذلك والتقدير .
على صعيدي الشخصي أأؤمن جلياً بأن هناك تفاوت قدرات واختلاف مهارات في ادارة الأعمال ليس بين المرأة والرجل فحسب ولكن حتى بين الرجل وزميله الرجل ، وهذا ليس بغايب عن مدارك الجميع فواقع المعايشة اليومية ينم بالكثير من مثل هذه المشاهد .
المرأة العمانية نجحت ، نعم نجحت في الكثير من الميادين التي كانت حكراً على الرجال ، وها هي توجت نجاحها بعقد هذه الندوة ولا غنى للمجتمع الذكوري في كافة تعاملاته عن الخدمات التي تؤديها المرأة شاء ذلك أم أبى .
وفي المقابل فإن على المرأة العمانية أن تقف لحظة من الزمن وقفة لتحليل هذا النجاح والحفاظ عليه ، يجب عليها أن تدرك جلياً مدى حجم الثقة السامية الكريمة لقائد البلاد المفدى التي أولاها إياها لتنظر بعين ثاقبة الى ما حققته وما يجب أن تسعى لتحقيقه سواء على المستوى الفردي أو التجمعات النسوية في جمعيات المرأة العمانية المنتشرة على ربوع البلاد أو على صعيد أعمالها في القطاعين العام والخاص لتستمر مسيرة عطائها من نجاح إلى نجاح.
أبارك للمرأة العمانية هذا التكريم وأبارك لها ما وصلت إليه ولا أجد ضيراً ولا ضرراً من أن أقول لها كل عام وانتي امرأة عُمانية .

أحمد الشكيلي

20/10/2009

الثلاثاء، 20 أكتوبر 2009

ليل المشاعر

في دجى ليلن بهيم اتبعثرت مني المشاعر
وطارت أوراق الكتابة بالرياح الموسمية
وبين جمر وبين شوك صرت أنا مفلس وحاير
حافي الأقدام أمشي والليالي سرمدية
تأزمت أوضاع نفسي وما حصلي من يناصر
جف قلمي من مداده ولا عرفت الأبجدية
تخلى عني اللي أحبه بعد عشرة دهر زاهر
حطم أحلام الطفولة والأماني الأولية
ما بقى لي غير ذكرى تحتفظ بيها الدفاتر
وكلمتن باللون الأحمر مكتوبة على أوراق الهدية

              أحمد الشكيلي

الاثنين، 19 أكتوبر 2009

لدغتان من جحر واحد :.


لدغتان من جحر واحد :.


بالأمس كنت قد كتبت موضوعاً أبرزت فيه مدى فائدة التفاؤل وشحذ الهمم لدى الإنسان ، وإعطاء النفس الدافع نحو بلوغ الغايات المنشودة وفق خط سير ممنهج ومدروس وفق لرؤى الشخص نفسه .

ويبدو أني قد غفلت جانباً ما وهو التعلم من الخطأ لتجنب الوقوع فيه ، وكما في هذا العنوان فقد لُدِغت من جحر واحد مرتين وهاأنا الآن اتذوق مرارة اللدغة الثانية .

لدغتي الأولى كانت عند تعطل جهاز الحاسب الآلي المنزلي منذ أكثر من أربع سنوات فبتعطله حرمني من الكثير من المحاولات الكتابية التي كانت حبيسة ذاك الجهاز والتي لم تكن لدي مسودات منها بخط اليد أو مطبوعة إلا قلة قليلة ، وبمحاولات كثيرة لإصلاح ما فسد في ذاك الجهاز إلا أن الحظ كان عاثراً فنام الجهاز وضاعت محتوياته التي أعتبرها أنا ثمينة بالنسبة لي لأنها مجهود أنا فقط أحس بمدى أهميته .

لدغتي الثانية والتي أأمل أن تكون الأخيرة هي في هذا الوقت فقد شاء القدر أن أفقد الذاكرة الخاصة بي flash memory وهي تحتوي على الكثير مما أسميه أنا بـ " الكتابات " والتي كنت أعتزم على نشرها هنا تباعاً في هذه المدونة حيث أن النسخة الاحتياطية منها غير محدثة فهي تحتوي على الجديد الذي لم أقوم بإضافته الى النسخة الاحتياطية وكذلك الحال فهي ليست مطبوعة ورقياً وبالتالي فأأمل أن يكون مقدار الفاقد ضئيلاً عندما أهرع لمشاهدة نسخة الاحتياط ، وقد يعود السبب الى استخدام أكثر من جهاز لطباعة هذه الاعمال كالحاسب ومن ثم تخزينها في عصى الذاكرة لسهولة حملها إلى أي مكان ،، وها هو الاسبوع الثاني يوشك أن ينقضي ولا أثر لضالتي .

بالله عليكم أليست لدغتان من جحر واحد !!

"اللهم ارجع لي ضالتي"



دمتم بحياة جميلة بعيداً عن أي لدغة

أحمد الشكيلي
19/10/2009


الأحد، 18 أكتوبر 2009

الحياة بروىء مختلفة


الحياة بروىء مختلفة :.


كثير منا ما ينظر الى حياته وفقاً لما تمليه عليه الجوانب المعيشية الخاصة التي يعيشها وما يؤثر فيه ويتأثر به من عوامل في المجتمع المحيط به ، فنرى البعض من يقول بأن الحياة صعبة ، ومنهم من يقول أن الحياة حلوة ، وبعضهم يقرن حلاوة الحياة بمدى فهمك لها ، وكل له وجهة نظر في ذلك وأسباب دعته إلى الاعتقاد بهذا الشيء .

وحيث أني هنا تناولتُ هذا الموضوع الذي دائما ما نسمعه يتردد على ألسنة الكثير من الناس وبناء على تجارب شخصية ومعايشة واقعية فأورد هنا نظرتي للحياة من واقع معايشتي الشخصية لها .

بدايةً الحياة حلوة ومرة في نفس الوقت ، الحياة صعبة وسهلة في ذات الوقت أيضاً فلا يمكن أن تشعر بحلاوة الحلو إلا إذا تذوقت معه طعم المر ، والا فكيف ستستطيع أن تفرق ما بين المذاقين ، إذن الأمر لا يخلو من التضاد وكما جاء في الأدب العربي فإن " الضد يبرز حسنه الضد " والضد بالضد يظهر .

ثانياً : الكثير ممن ينادي بصعوبة الحياة ربما لم يوقدوا في دواخلهم شعلة الحماس والدافع الذاتي نحو تسهيل هذه الحياة وللأسف فقد كنتُ واحداً منهم لفترات طويلة ندمتُ عليها لاحقاً وهذا عايشته في أمور مختلفة ، حيث تعودنا على الأخذ ولم نبادر بالعطاء وهذا ما يجعلنا نعيش في صعوبة عند مواجهة أي مطب بسيط من مطبات الحياة وفي الأساس كان بإمكاننا أن نتغلب عليه بكل سهولة ويسر لو حدثنا أنفسنا بذلك ولكن أصبحنا وللأسف الشديد ينطبق علينا قول القائل " فاقد الشيء لا يعطيه " مع العلم بأننا لم نفقد الشيء ولكننا ساهمنا في إطالة غفوته وجعله ينام قرير العين في دواخلنا .

ثالثاً : تحفيز الذات أمر مهم للغاية " فمن سار على الدرب وصل " ، و" مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة " وهذا هو الشيء الذي ينبغي أن نزرعه في عقلنا الباطن لتكون بمثابة الدافع الداخلي نحو الابداع والابتكار وإلا لما برحنا أماكنا ، ولما أصبح الحال أحسن مما كان عليه وهنا يأتي التحفيز الداخلي من منطلق " ثابر تنجح " والابتعاد عن الاتكال على الغير قد المستطاع ، " فالاتكال على الغير هو السبيل الى الفشل " فأن تتعلم شيئاً يسيراً خير لك من أن تبقى جاهلاً وأن تخطو خطوة للأمام خير لك من أن تبقى قاعداً مكانك ، وأن تتعثر بحجرة فتقوم بعدها مكتسباً خبرة في كيفية تجنب التعثر بها مستقبلاً أفضل من أن تمشي مغمضاً عينيك.

رابعاً : لا أنكر بأن هناك تفاوت قدرات وتفاوت طاقات أيضاً مما يجعل هناك تفاوت في مقدار التفكير وتقدير الأمور على ما يجب أن تكون عليه ، ولكن في المقابل لو جعلت من أفكارك تسير وفق نهج مرحلي قصير المدى وطويل المدى فإنك بالتالي وبلاشك ستحقق هدفاً من هذه الأهداف فتتعلم منه ما يعينك على تحقيق الهدف الأخر .

خامساً : لا تجعل أفكارك حبيسة رأسك " فالبئر التي لا تنضح جف ماؤها" أخرج ما لديك الأخرين فبهذا أنت تعلم وتتعلم ، ولا تخجل من النقد ولا تشمئز ممن ينتقدون لأجل النقد فقط فإن هذا يعني أنك تسير في الطريق الصحيح ، إجعل أفكارك ترى الواقع وساهم في تطويرها ولكل مجتهد نصيب .

سادساً : دع حياتك عامة وابعدها ما استطعت عن الانحصار في ركن معين واسعى الى أن يكون تخصصك في الحياة غير متخصص ، واقطف من كل بستان زهرة حتى وإن طُعِنت بالأشواك فهي ستكون إضافة الى حصيلتك الفكرية والمعرفية .

سابعاً : إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا

ثامناً : من لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر

تاسعاً : إذا غامرت في شرفٍ مروم فلا تقنع بما دون النجوم

عاشراً : يا أيها الشاكي وما بك داء كن جميلاً ترى الوجود جميلا



دمتم بحياة جميلة ورؤى جميلة ووطن جميل



أحمد الشكيلي




الاثنين، 5 أكتوبر 2009

بـــدور


* بدور

وحيدة تقف على ذاك الرصيف بوجهها الشاحب ، تأكل الشمس نظارة بشرتها الجميلة ، تعتصرها هموم حياة أجبرتها الأيام والظروف على أن تعيشها ، مسكينة تتقاذفها الأرصفة بين جزر ومد ، لكنها تصارع لأجل البقاء على رصيف واحد ، براءتها الطفولية تمنعها من البوح بكل شيء .. عندما تأتي لتتكلم تتداخل عندها الكلمات وتتلعثم عند النطق بها ، لا يفهمها أحد سوى نفسها .


يا للمسكينة تلفحها حرارة الشمس فتهرول باحثةً عن جدار تتفيأ ضلاله فلا تجد سوى ظل شجرة ميتة لوى الجفاف أوراقها وأكلت الشمس خضرتها .حرارة الجو الشديدة تحبسها وقت الظهيرة فلا تبرح مكانها إلا مستمسكة بذاك الجدار الذي اعتاد على الاحتكاك بظهرها الطفولي ، تقضي ظهيرة كل يوم في نفس المكان وكأنه أصبح ملكاًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً لها لا ينافسها أحدٌ فيه برغم موقعه الاستراتيجي الذي يطل على الشارع المؤدي إلى الحي التجاري في المدينة ، تقبع هناك لوحدها تقتات على فتات خبز يابس اعتادت أن تصره في خلقة بالية بعد أن تجمعه ممن يعطفون عليها فالدنيا ما تزال تحتفظ بقدر يسير من المحسنين اللذين أدخل الله الشفقة في قلوبهم وباتوا يمتلكون شيئاً من العطف والحنان لينثروه عبيراً على الأرض.


تمضي ساعات الظهيرة على بدور ببطء شديد ، هذا الوقت يمثل محطة استراحة قصيرة بل هي بيات ظهري تقضيه بدور تحت هذا الجدار يلفحها هواء ساخن وتقض مضجعها أصوات السيارات المارة من على هذا الطريق ولكن تبقى بدور حبيسة هذا المكان ، فجو المدينة حارٌ جداً وليس بمقدورها الانتقال الآن من مكان لآخر فالشمس تسطع في كبد السماء والوقت صيف قائظ وقطرات العرق تسيل منها وكأنها السيل، اختلاط العرق بالجسد ممزوجاً بالأتربة المتراكمة على ملابس بدور ينتج رائحة طيبة كأنها المسك .


تدب الحياة الى المدينة من جديد فقد حان وقت العصر وها هم المصلون يخرجون من المساجد فيتجهون كل منهم إلى سبيله ، قضاء مصالح شخصية ، تسوق ، زيارات وغيرها كل حسب ما يعن في خاطره .


أحدهم يمتطي صهوة سيارته الفارهة التي بالكاد يتسع لها شارع الحي ، يبدو أنها أحدث ما أنتجته التكنولوجيا ، يطوف بها شوارع الحي عصر كل يوم متفاخراً بها، بكبرياءٍ يضع يده اليمنى على منضدة جانبية تفصل بين المقعدين الأماميين في السيارة ، يميل بجسده نحو اليمين، يمسك مقود السيارة بأطراف أصابع اليد اليسرى ، أصوت الموسيقى الصاخبة تهز كل بقعة تطاءها عجلات سيارته ، يستهجن الناس تصرفاته المغرورة هذه ولكنهم في المقابل اعتادوا عليه وعلى أمثاله فالحي يحتوي على شرذمة قليلين من أمثاله ممن لا يعرفون تسخير المال إلا للمظاهر والكبرياء ، يقود سيارته بجنون وتهور ويداعب أزرار هاتفه بيمناه،وها هي خطوط عبور المشاة أمامه وها هم المارة يقطعون الشارع في المساحة المحددة لهم لا يعبرون إلا بعد التأكد من وقوف السيارات القادمة ، بينهم جسد طفولي صغير نحيل يرتدي لباساً يميل إلى اللون البني وكأنه لباس بدور ، نعم إنها بدور يبدو أنها قد فاقت من غفوتها ووصلت إلى هذا المكان كعادتها سيراً على الأقدام ، تمشي في أخر المارة بالهوينى التي اعتادت عليها ، يتفاجأ بهم يفقد صوابه يرمي بهاتفه جانباً يدوس على فرامل سيارته بقوة بالغة تصدر صوتاً مخيف، تنحرف السيارة في الاتجاه الأيسر من الشارع ، ترتطم بالرصيف الإسفلتي الذي تضع للتو بدور فيه أولى خطواتها نحو بر الأمان ، تحس بأن الموت يداهمها فتصرخ صرخة عالية ليلتفت الجميع إليها يرقبون المشهد الفضيع ، يا ترى ماذا سيحدث ؟!


تقف السيارة الفارهة فاقدة هيبتها وبينها وبين اغتيال براءة بدور طرفة عين ، القدر أوقفها هناك ليمنح لبدور فرصة أخرى للعيش في دوامة هذه الحياة ومتاهاتها ، تشهق بدور شهقة عالية جاذبة نفس الصعداء لترتمي جانباً خايرة القوى فاقدة العزم على الحراك تتكئ على لافتة مرورية ، ينسدل شعرها بلون الليل المعتم على كتفيها الناحلين ، تبعد خصلاته المتناثرة على وجهها بأناملها الرقيقة لتتمكن من رؤية الحقيقة ، الناس التفوا من حولها يتفرجون وهي لا تفقه لقول شيء ، الصمت يعم المكان سوى من لغة العيون ، الجميع تجمع حول بدور بينما السائق مرتطما رأسه بمقود السيارة لم يعره أحد اهتماماً ، ( مجنون ، متهور ،طائش ، مغرور ) تعلو أصوات الحضور بهذه الكلمات ، ( لعله يتأدب ويرتدع ) قالها أحد المارة لزميله وكأنه يكن في قلبه حقداً لهذا السائق المتهور.لكنه أردف قائلاً وهو يتنهد: الرحمة ما تزال في قلوبنا .. هكذا أوصانا الإسلام لنذهب ونسعفه إذاً، يفتحون باب السيارة تمتد أيادي المسعفين ، يخرجونه فتتساقط من جيبي دشداشته الزرقاء نقوداً مختلفاً ألوانها ، يسيل لها اللعاب فترمقها العيون بنظرات الإعجاب وحب التملك ، ولكن لا تمتد الأيدي إليها ، يأتي رجال الشرطة فيطرحون اسئلتهم باحثين عن الأجوبة يتفحصون السيارة فيجمعون ما يجدونه فيها ويحتفظون به لديهم .


يهم الحضور بمغادرة المكان كل حسب وجهته التي كان يرغب الذهاب إليها ، ولكنهم ما زالوا يحركون السنتهم بذلك المشهد الفضيع الذي كاد أن يودي بحياة البريئة بدور ، ينتشر الخبر في أرجاء الحي كل يحوره بطريقته ويصيغه بأساليب التشويق المختلفة ، فهنالك من يبرع في سرد أحداث القصة بدرجة تفوق كتّاب سيناريوهات الأفلام العالمية .


ينحسر ضوء الشمس تدريجياً شيئاً فشيئاً ، يعلو صوت المؤذن " الله أكبر الله أكبر " يتهافت جموع المصلين نحو المساجد ، صلاة المغرب قد حانت ، نهضت بدور من مكانها وبدأت تسحب ذيل ثوبها البالي متجهة نحو ما يشبه غرفة ضيقة أسمتها بيتاً واعتادت على ذلك كل يوم، يكاد سقفها يسقط على رأس المسكينة ، جدرانها متصدعة وأرضها تفوح بطيب الأتربة الناعمة التي تتقاذف نحو أنفها الشاحب لتغلق مسامات صدرها النحيف الذي تزينه نتؤءات العظام وفحمات الجسد.


اعتادت بدور أن تجد مساء كل يوم لقيمات من الأرز البارد بالكاد تسد رمقها وتصلب عودها اللين تضعها إحدى النساء التي حرمها الله من نعمة الإنجاب وسط تلك الغرفة ، مسكينة هذه المرأة اعتادت كل يوم أن تأتي بالأكل لبدور ساخناً شهياً ، ولكن بدور لا تجده إلا بارداً ، وجدت هذه المرأة في بدور صورة لإبنتها التي تمنت أن يرزقها الله بها ، فتحاول كل يوم أن تجدها في غرفتها ولكن هيهات عليها ، فبدور اعتادت أن تستيقظ في الصباح الباكر فتخرج إلى حيث يقدر الله لها فلا تعاود بيتها إلا بعد قضاء يوم حافل من المسير الشاق تطوف به مختلف أرجاء الحي ، وقد يتعدى ذلك أحياناً إلى الأحياء المجاورة والطرق العامة ، لا أحد يعلم غايتها ، ولا مخلوق يفهم هدفها سوى هي ذاتها .


أحمد الشكيلي


9 / 12 / 2006م

السبت، 3 أكتوبر 2009

الأربعاء الأسود

الأربعاء الأسود

ها هي لحظات الأربعاء تقترب رويداً رويدا ، وهاهي نار الشوق تزداد سعيراً ولهبها يزداد علواً وبريقا ، كل شيء كان بجسدي خاملاً أصبح أنشط من كل نشيط ، رقبتي ترتفع عاليا بين فينة وأخرى ترقب ساعة الحائط ، وبعد طول انتظار يقرع جرس الساعة معلناً ولادة يوم جديد " الثانية عشر صباحاً " بتوقيت مسقط ، الهدوء بدأ يخيم على المكان وعقارب الساعة تمضي على مهل متثاقلة مسيرها ، شيئاً فشيئاً تخفت الأصوات تدريجياً إلا من صوت أجهزة التكييف التي تحيل الداخل إلى مرتع جميل للأحلام السعيدة بينما تجعل من الخارج أشبه بحرارة يوم قائظ وما يزال القيظ بعيدا .
تقودني قدماي إلى تلك الغرفة التي استقبلتني منذ خمس سنين في مسقط ففرشت لي أرضها الصلبة وساداً وسقفها الذي لم يعد يحتمل زخات المطر لحافاً ، أفتح الباب فأجد فراشي على حاله ينتظرني لنتبادل سوياً شجون الليل حتى تبزغ شمس النهار فينتشر ضوءها في الأفق معلنة بداية يوم عمل جديد .
النشاط في هذا اليوم ليس طبيعياً والالتفات للساعة أكثر من ذي قبل ، النهار يمضي ببطء شديد والأعمال المتراكمة تنجز تباعاً ، لا مجال للتأجيل ولا سبيل للتسويف وعمل اليوم لليوم .
الكل يراقب ساعته ويتكلم عن الزحام المروري الذي سيجده في طريقه إلى بلده فيتأفف ويتذمر ليلقي باللوم بعدها على الجهة المسؤولة لسوء تخطيطها لشوارع العاصمة ، فالكل يريد أن يصل إلى قريته سريعاً دون تعب أو تأخير ، الساعة الآن تقترب من الثانية عشر والثلث ظهراً ، يرتفع صوت الآذان فتهرع جموع الموظفين الى المساجد " الظهر والعصر جمعاً وقصراً " قالها أحدهم لزملائه وهو يردف قائلاً ( ورانا درب ) !
تباً لهذا اليوم فبالرغم من جماله إلى إنه مملاً فساعات العمل لم تنقض بعد ، لماذا هذا التطويل في دوام يوم الأربعاء ؟
لقد حان وقت نهاية الدوام ، إنها الثانية والنصف ظهراً والشمس تسطع في كبد السماء بأشعتها العمودية تزيد من حرارة الجسد وتستدعي الخيال للإنطلاق والعقل للتركيز وسط معمعة السيارات وزواميرها الصاخبة التي تحول أرجاء المكان إلى ورشة حدادة ... الطريق جداً طويل والمسافة بعيدة والحرارة شديدة وفوق كل ذلك فهي الأربعاء والشوق يحث على المسير بعجالة شديدة بإتجاه المكان الذي يحب كل منا أن يكون فيه ، ولكن ما تزال هناك مهمة أخرى قبل مغادرة العاصمة الجميلة لابد من القيام بها ، فأفراد العائلة هناك بين جدران تلك الشقة ينتظرون وصولي على أحر من الجمر لنذهب سوياً إلى البلد فالأطفال منهم لا يحبذون الذهاب إلا معي .
أصلُ إلى الشقة فأجد أفراد العائلة يجتمعون في عجالة على مائدة الغداء ، الأطفال أنزووا بعيداً لا يرغبون في أكل شيء ، بينما انفتحت شهيتهم للبلاد واستنشاق هواءها أكثر فهم حبيسي الجدران الأربعة طيلة أيام الأسبوع لا يبرحون مكانهم إلا لمدارسهم فالمكان الذي إليه الذهاب خير من المكان الذي منه المسير ولو كثر جماله وزاد حسنه فلابد من ( البلاد وإن طال السفر ) ..
ترفع المائدة ، تغسل الصحون ، طرفة عين فإذا بالجميع يلتفون حول السيارتين ، ( عمي أنا أجي معك ) قالها نصر ، وأضاف قائلاً ( أبوي ما يسرع ويوصل البلاد متأخر ) ، ركبنا سيارتنا واتجهنا في طريق العودة بدأنا نردد ( نصر* نصوري ... رايح البلاد ... بلادي البعيدة ... الخ ) وهي عبارات بسيطة اعتدت أن أداعب بها نصر الطفل الصغير واعتاد إخوانه أن يتغنوا بها في طريق عودتهم للبلاد ، صمت الجميع بعدها لتمتد يمناي إلى مفتاح المذياع فيعلو صوت سالم السعدي مترنما بالميدان ومتغنياً به .
نتفاعل مع البرنامج الإذاعي لننتقل بعدها إلى حديث أغلب ما فيه العاطفة وأجمل ما فيه الصراحة وأعذب ما فيه براءة الطفولة التي تأتي بالكلمة دون حواجز ، ابتسامات الأطفال وقهقهتهم وتساؤلاتهم الغريبة التي تبحث عن إجابة لظواهر الطبيعة ومجريات الحياة وكأن فكرهم قد كسر كل القيود التي كانت تكبله طيلة الخمسة أيام الماضية ليقودهم للانطلاق بخيالهم الواسع لخارج حدود المألوف تجعلني احتار كثيراً لأجد إجابة تستوعب تساؤلاتهم الغريبة ، ولكن في النهاية أجد ما يقنعهم ويشبع نهمهم الفكري.
نسير على صفيحٍ رقيق من حديد فالساعة تقترب من الثالثة والنصف والموعد المرتقب جداً مهم ما يزال أمامنا نصف ساعة قادمة وساعتين أخرى في رصيدنا وفقاً لقوانين وزارة الصحة ، إذن سنتمكن من زيارة الوالد في المستشفى ونجلس معه حتى السادسة فساعة واحدة تكفينا هذا اليوم ، وغدا الخميس يوم إجازة رسمية سنقضي الصباح بجانب سرير الوالد ثم نعاود الكرة في المساء حتى يخرجنا حارس الأمن ، ما رأيكم يا أولاد ( قلت وكنت متيقن إجابة القبول منهم )فأجابوا بصوت واحد ( انزين ) .
لحظة فلحظة تقصر المسافة تدريجياً ينطوي بعد الطريق ولكن ما يزال أمامنا ما يقارب نصف المسافة ، هناك تقبع ولايتنا خلف هذه السلسلة الجبلية الشاهقة والممتدة نحو البعيد ، لماذا لا تقوم الحكومة بتكسير هذه الجبال لتختصر لنا المسافة فتوفر لنا الكثير من الوقت والمال ؟ _ قلت في نفسي ذلك _ ولكن الإجابة تأتي مسرعة لتقول لي انظر إلى عظمة الخالق ومدى علو هذه الجبال وضخامتها ، كم من الوقت ستحتاج لتكسيرها وكم من الأموال ستنفق والجهود التي ستبذل لتسويتها بالأرض ؟!! فعلاً إن الأمر مكلف جداً ولا داعي للقيام به فهناك أولويات أخرى تقوم بها الحكومة والأهم أولى من المهم .
تذهب بي الأفكار قريباً وبعيداً أسبح في بحرٍ من الأفكار وأحلام اليقظة التي تزاور كل من يطمح لشيء قد يراه بعيد المنال ، أغرق في تفكير عميق وسط حكايا الأطفال ودعاباتهم الظريفة ، (عمي وين إحنا ؟ ) قالها نصر ليقطع عليّ خلوتي بنفسي ، ( إحنا قرب سمائل )ــ أجبته باختصار شديد ـــ عدتُ بعدها مباشرة لأخلد لصمتي وتفكيري وتأملاتي اللا محدودة التي تأبى التكنولوجيا الحديثة إلا أن تقطعها عليّ ، صوتٌ يأتي من سماعة هاتفي المتهالك :
( ما عاد بدري قلت لي وش تحرى
ذابت نجوم الليل من جمر الآهات
ما عاد بدري تدري العمر مرا
سرقت سنينه مننا كيف لحظات
تقول باكر وانت باكرك برا
برا الزمن واقف على مر الأوقات
بتنتهي الدنيا قبل ما تجرا
لاضاعت الفرصة ترى الموت حسرات )
سبحتُ في خيال هذه الأغنية الجميلة حتى امتدت يدي لتخرج هاتفي من جيبي الأيمن ، الرقم الظاهرُ على شاشة الهاتف هو رقم أحد الأصدقاء المقربين للعائلة ، لكن ماباله يتصل بي في هذا الوقت من الظهيرة على غير عادته ، كما أنه لم يعتد محادثتي هاتفياً إلا ما ندر وللضرورة القصوى ـــ تسألت في قرارة نفسي ذلك ـــ دعني أرد لأعرف الجواب : السلام عليكم ، وعليكم السلام ، كيف حالك ، الحمد لله بخير ( الأمر غريب فهذا صوت أخي ، ما الذي جمع الإثنين في هذا الوقت فالساعة الآن الرابعة عصراً والمسافة بين الإثنين نصف ساعة بسيارة تسير على سرعة مائة كيلو متر في الساعة ) قلتها في نفسي ، يسألني أخي (أحمد وين انته ؟) ( الحين في سمائل ! ، ( خير أيش هناك ) قلت متسائلاً ومستغرباً من السؤال مبدياً نبرات الاستغراب في صوتي ، بكل ثقل وحزن شديد ونبرات الحزن تختلط بصوت البكاء ( رحمة الله تغشى المؤمنين ) قالها أخي ، تنطلق حنجرتي من مكانها يعلو صراخي فيصبح الفعل عكسياً لتكبس قدمي على فرامل السيارة بلا شعور ، ماذا تقصد ؟ قلتها بصوت عالي وأظن بأن من في السيارة المجاورة سمعوني ! ( أبويي توفى الآن ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ) ، لألألألألألألألألألأ ... بكاء بداء يعتصرني ، أحشائي ترتطم بعضها بعضاً ودموع تسيل على خديّ المترهلين ، ( موه هناك عمي ؟) قالها هادي ووجهه بدأ يميل للإحمرار وعيناه بدأت تضخ شيئا من الدمع الطفولي الممزوج ببداية الولوج في دوامة الحياة ( جدكم مات ! ) قلتها والبكاء يكاد يقطع أوصالي ، علا صراخهم وكثر دمعهم حتى نصر ذلك الطفل المسكين نضحت عيناه دمعاً بريئا كبراءة طفولته الغضة ، فهو لأول مرة يعرف معنى الموت فلم يسبق له أن عاش موقف فقد إنسان عزيز في العائلة .
تتحول السيارة إلى صراخ وعويل ، بكاء ونحيب بمختلف الأصوات ، غمامة سوداء تضلل طريقي ، صداع يجتاح رأسي ، ضيق نفسي شديد ، ارتفاع في معدل التنفس بكاء في بكاء ، تنطلق السيارة شاقة أمامها طريق العودة يرتفع مؤشر السرعة عالياً فهاهي تتجاوز المائة والأربعين كيلو في الساعة ، أجهزة ضبط السرعة تكبل الشارع بين فينة وأخرى ، لا شك إنها ستجد فريسة سهلة هذا اليوم ، سيكون يومها هذا استثنائياً بمثابة عيدٍٍٍٍِ لها فستضمن أن تجني مني مبلغاً كبيراً من المال يترك هناك في خزانة الشرطة .تباً لها هذه الرادارات ! قلتها يصوت عالي كصوت بكائي .
أكملتُ مشوار الطريق تضللني سحابة حزن سوداء تتقاذفني الآهات ويتجاذبني النواح ، أبي مات ، مات سريعاً فلم يمهله المرض الذي تعاون معه من يدعونهم بالأطباء وهم لا يفقهون في الطب شيئاً سوى أسبوعين فقط لتأتي النهاية المحتومة في الثالثة واثنتين وخمسين دقيقة على سرير المستشفى ليصبح اليوم أسوداً بكل ما تحمله كلمة السواد من معنى إنه حقاً أربعاء أسود لن تنسى ذاكرتي سواده القاتم ولن تبرح مخيلتي أحداثه المؤلمة ( ورحمة الله تغشى المؤمنين ).



أحمد الشكيلي
7/ 5 / 2006 م

قصة حب

* قصة حب
أذا شــــع نـــورك في وســـط الظلام تبددت أوهام
وإذا انســمــــع صــوتـــك تــخــر الــنــاس ولـهانــه
اذا الكافر لمح وجــهك دخـــل في نــعــمة الإسلام
خــلى الشــرك لإهــله وهــجــرهــم كــل أعـوانـــه
ترى بـــنورك تنــور الدار حقيقـة ما غدت أحـلام
تـــهــنى كــل مــن شــافــك حــفــظ دينـه وإيمانــه
مــنـــارة لــلـــحســـن انتــي بــلا شــهـرة ولا إعــلام
عـــطــاك الــرب من عـنده حسنٍ صعب تبيانــه
حبيـــبة تسـكـــني فــيني من موطى القــدم للـــــهام
طـــعــم الــحب معـك ذقته وعشقته بكل ألوانــه
إذا بالحـــبر كـــتبــونـــك كـــتبـت اسمك مدى الأيام
بــنــزف الــدم خــطـيــته فــــ كـتـابــن انتي عنوانه
تــرى حبـي غــدى قصــة وسيرة ما روتها افلام
بنى فوسط الحشا قصرن كبيرن راسخ أركانه
يــجـوز الحــب عــذبني ، سـهرت الليل أيد ما انام
أناظــر دنـيتي فــ قـلبـي وأشـوفك فيها مـــزدانه
تــخيـلت العــشــق شــجرة نـبتت داخل الاجسام
دماء الـــقلــب تــرويــها وأبــد ما يــوم عطشانه
مع الأيام بدت تكـــــــبر وصـــــارت ظل للأريـــــــام
تفيتها جموع الغـــيد وهــي بالــحــب مــــليانـــة
حسود كل من حولك لأنك في الحـــــــــسن قــــــدام
بقى وجهك يشع النور بـحلـى عيونه وأوجــــانه
وإذا لحبك تصير حروب غديت الفارس المــقــدام
رددت سيوف عن قلبك طلبت الموت فميدانه
تطول رقاب وأكسرها ما عندي سوى الاعـــدام
فحـــق اللي يـــفكر بس تكــوني عـشق وجدانه
أنا حبـــيت مـــن قــــلبــي فـــلا زيـــرن ولا هــمام
ولا بــكرن ولا تغــلــب يردوا الـقلب عن شانه
ســــيـــوف الـــقــوم لو جـــتني جــروحٍ ما لـها إيـلام
لأن الحب هــو ترســي ودرع القـلب ما خانه
أحبك من صغر سني بغيتك في العشق بهــــــــــيام
وعسى الله يتمم آمالي واشوفك دوم مــــزدانه
**************
أحــمد الشكيلي
17/2/2009 م

تأوهات مظلوم

تأوهات مظلوم ...!!

خرج من مسكنه المتواضع في صباح يوم كان يحسبه أن يكون جميلاً ، أدار محرك سيارته المتهالكة وجلس بها برهة من الزمن ، تمتد يده الى المذياع فإذا بصوت يرتفع ( هااااااذا الصباح ) يستبشر خيراً في جو تكاد حرارته تشوي الأجساد ، توجه الى مقر عمله يسمع المذياع وصوت المذيع الذي يدعو إلى التفأول وتحفيز النفس منذ الصباح الباكر يحث على الهمة وبذل الجهد والنشاط في العمل ، يزداد تفاؤله فإذا به يقول ( إذا لم تعمل ما تحب فــحب ما تعمل ) .
ينظر يمينا ويساراً يرى وجوه الناس وهم في طريقهم لأعمالهم منهم من تبدو على وجهه السعادة ومنهم من ترى شرر الغضب يتطاير من عينه ، يعلق في زحام معتاد فيناضر ساعته ويقول ( حـشرٍ مع الناس عيد ) . يرى الساعة تقترب من السابعة والثلث يقول لنفسه ما اعتدتُ أن أتأخر عن عملي ولكنه ما تزال عندي عشر دقائق تكفيني حتى أصل الى مقر عملي الذي أكن له محبة خاصة .
يصل مقر عمله في السابعة وسبعٍ وعشرين دقيقه ، يوقف سيارته ، يترجل منها ، يمتطي ذلك المصعد الذي لامسه التطوير مؤخراً يصل الى مكتبه فإذا بأحد المراجعين ينتضره على باب مكتبه ( ما شاء الله كأن الرجال ناوي يداوم معنا ) قالها في نفسه وهو ينظر الى ذلك الرجل ، يصافحه فيتبادل معه العلوم والأخبار كعادة العمانيين ، يقول له انتضرني قليلا سآتيك ، يدخل مكتبه فإذا بزميله قد سبقه راءه جالساً يقلب في يديه وريقات تحمل الأسى منذ الصباح الباكر تبادر الى ذهنه كلام المذيع عن التحفيز والعمل وبذل الجهد ، تعال يا .... انظر ماذا حدث من تخبط ؟؟ قالها زميله بكل أسى . يجيبه ليس الآن يا ... فلدي مراجع سأنهي موضوعه وأعود اليك .
جلس مع مراجعه والأسى يتغلغل في داخله ينخر في أعضائه يحطم نفسيته ويزعزع كيانه ، وفوق ذلك لم تفارق الابتسامة ـ ربما المصطنعة ـ شفاهه ، بث نوعاً من التفاؤل في نفس ذلك المراجع المسكين الذي ما إن قضي موضوعه حتى بدأ يدعو بدعوات طيبة لذاك الموظف المسكين ، يستأذنه بالخروج فيرافقه الى ذاك الممر الضيق بعدها ينهي ما استجد من اعمال خفيفه ليست من صميم عمله ولكن كُـلَّف بها فأتمها .
عاد الى مكتبه متثاقلاً يمشي الهوينى تتقاذفه خطواته المتثاقله يمينا وشمالاً ، يفتح الباب فإذا بعدد من الموظفين يقفون داخل المكتب ، قال لا بأس فربما يسلم كل منهم على الآخر فما يزال العمل في بدايته ، تعال يا ...... فقد فعلها الـ...... ! يجيبهم بكل أسى : لا جديد عليهم فليست المرة الأولى التي يقطعون فيها أرزاق الناس !! قد تعودنا على ذلك فماذا بوسعنا أن نفعل !!
هل هكذا يكون التحفيز ؟؟ هل هكذا يكون تكريم الموظف ؟؟ هل هكذا تكون مكافاءة المجد ؟؟ هل وهل وهل ... استفهامات كثيرة تبحث عن اجابة !! ولكن ليس هناك من يجيب .
أصوات تعلو وألسنة تلهج بالدعاء ودموع قاب قوس أن تنهمر على وجه صاحبها لولا أن منعه من ذلك كبرياء الرجولة وعزة النفس ..
مظلوم لا يسمعني أحد ، ولكني على يقين بأن الله يمهل لا يهمل .. قالها أحدهم وهو يخطو خطوات متكسرة ، كاد أن يفقد توازنه فيسقط على تلك الأرضية الراقية لولا لطف الله .
أعمل بكل جد وتفانٍ ، أزاول كل ما اكلف به من اعمال بلا تذمر أو تحفظ ، أجيئ باكراً كل صباح أؤأدي واجبي الوظيفي بكل اخلاص فالعمل واجب مقدس ، أصل الساعة بالساعة وكل اجابة تكون بالسمع والطاعة لم يسبق لي أن خالفت أمراً أو رفضت عملاً أو تجاهلت طلباً وظيفياً كم من الأيام تأخرت حتى المساء وكم من أيام غيرها قمت بواجبي في أيام الاجازات الرسمية متيقنا بأن هناك من يكافيء المجتهد .. ولكن في النهاية يظهر العكس الذي ما كنت أحسب أن يحدث في مؤسستي الرائدة .. أتكون مكافأتي بتأخير ترقيتي !! قالها وهو مطأطئاً رأسه للأسفل .. كيف يعقل هذا ؟
كثيراً ممن وردت أسماءهم في القائمة قد تعينوا بعدي حيث اني اسبقهم بشهور وبعضهم بأيام بسيطة ولكنهم لماذا ترقوا قبلي ؟؟ أردف هذه العبارة متمما لكلامه السابق .. يرد عليه أحد زملائه يبدو أنك لم تحظى بالقبول أو أنك لم تنافق وتجامل وليس لديك من يسندك ويتحدث عنك فبقيت مهملا في ذيل القائمة حالك حال كثير ممن هم متمسكون بمبادئهم لا ينافقون ولا يجاملون وإن حاولوا أن يفعلوا ذلك يفشلون لأنهم ليسوا من هذه الشاكلة .
ولكن ما هكذا النهج الذي تنتهجه الادارة الحديثة ولا هذا ما يدعو اليه علماء الإدارة .. كلهم ينادون بضرورة التحفيز حتى أن المذيع في برنامج هذا الصباح كان يدعو لتحفيز الموظف لإعطائه دافعاً نحو بذل جهد أكبر في سبيل رقي الوطن وعلو شأنه .
وكلتُ أمري إلى الله وسألته أن يأخذ لي بحقي ممن ظلمني ومنذ اليوم وصاعداً فلن اعطي عملي أكثر مما يستحق طالما أنه لا يوجد من يفهم معنى العمل ويقدره .. قالها قبل أن يلقي بجسده على كرسي مكتبه الذي طالما أن تشاركا سوياً في أداء الوجب .
أُحبط ، دُمًّـر ، حطمت معنوياته ، تزعزعت حالته النفسية وتبادرت له مقولة قالها له والده في وقت ماضي واصفاً العمل في هذه الأيام ( العمل هذه الأيام كمن يعمل في التصييف في الماضي من يحمل وقراً أو عشرة أوقار فهم سواسية ) والتصييف هو في لغة العمانيين ( الحصاد ) .
طاب صباح المجتهدين .



أحمد الشكيلي

انسانيات

إنسانيات
* الأمل .. هو الخبز الذي يقتاته الفقراء ليتمكنوا من البقاء على قيد الحياة ، قد يساهم في تحدي منغصات الحياة اليومية ويوفر لهم أحلاماً قد يرونها مع استحالتها بالنسبة لهم ، وقد لا يرونها مطلقاً وهذه هي السمة الغالبة لأكثرهم .
* التسامح .. فضيلة عظيمة يهبها الله لمن يشاء من عباده المخلصين ، قد تسمو بصاحبها لأعلى المراتب جالبة له كل صفات الخير وأجمل عبارات الثناء والتقدير على سيرته الطيبة وتسامحه الدائم فتصبح الألسنة تلهج بسيرته الحميدة ، وقد تهوي به في أحيان نادرة إلى أسفل الدركات عندما يستغل بعضا من ضعاف النفوس تسامحه لتحقيق مآرب شخصية ومطامع دنيوية يكون على حساب المتسامح ويكون ضحيتها المتسامح نفسه .
* الإيثار .. صفة لا يتقنها الجميع ، ولكنها نادرة في عصرنا هذا ، فقليل في هذا العصر من يؤثرون الآخرين على أنفسهم ولو كانوا أباءهم أو أمهاتهم ، ولكن عندما يوجدون فلنعلم أنه ما يزال في الدنيا ناس خيّـره وقلوب طيبة ، ولكن المصيبة أن لا تجد من يقابل الحسنة بالحسنة فينكر الإيثار وتجحد النعمة وينسى الذي أثرته على نفسك مواقفك النبيلة معه عندها تدرك جلياً أن الناس أصناف وليس كل واحد منهم مستحقاً أن تؤثره على نفسك أو حتى تتعرف عليه ليصبح مستقبلاً زميلاً لك أو صديقا .
* التضحية .. أسلوب نادر في الحياة يفتقر اليها الكثير ، ولكنها رغم ذلك فهي حاضرة في أحيان قليلة ، تلك الأحيان التي تظهر فيها التضحية تكون إما رياء الناس ومجاملة المضحى لأجله وكي يضرب الناس الأمثال بالمضحي ، و إما أن تكون نابعة من شخص يعرف معنى التضحية فيقدسه ويعرف من هو المستحق للتضحية ، وكل انسان بطبيعة الحال قادر أن يضع نفسه في أحد التصنيفين متى أحب ذلك .
* الصمت .. صفة لا أحبذ تلازمها بالنفس الإنسانية ، ولكن رغم ذلك يقال إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب ، والصمت أبلغ من الكلام في أحيان كثيرة ولكن ما أقوله واعتقده ان كثرة الصمت في حق من يخطي عليك قد يورث نفسك الذل والمهانة ، وقد يكون مدعاة لتفسير الأمور على غير حقيقتها ، فالصمت لا بد أن يكون له حدود كما هو للكلام حدود أخرى ينبغي عدم تجاوزها ، وإن كان لا بد من الكلام فليكون بالخير وإلا فإن الصمت هو أولى وأوجب .
* الكرم .. صفة عربية حميدة وعادة اسلامية مجيدة ما لبثت أن تحولت في العصر الحاضر الى عادة مذمومة عند معشر البخلاء الذين بدأو يفسرون الكرم على أنه إسراف وتبذير ينبغي القضاء عليه ، هؤلاء القوم إن وجدوا فبلا شك يخرج ضيفهم من منازلهم جائعاً إن كان هناك من يضيّـفونه وإلا فيقضوا يومهم كفافا تشبعهم راوائح الطبخ في منازل جيرانهم ، وكثيرا من أبنائهم لو تسنى لهم لربطوا الصخر على بطونهم تخفيفا لألام الجوع الذي يعتصر معداتهم الخاوية .
* التكافل .. سمة حياة لا تتسمُ بها كثير من المجتمعات على الرغم من حث الدين الاسلامي عليها في مواضع كثيرة ، ولكنها موجودة بندرة وقد بدأت تتلاشى وربما هذا التلاشي قد يكون ضريبة من ضرائب التطور الحضاري والتمدن ، فما عاد الواحد يعرف جاره فيسانده في محنته ويقف الى جواره وقت شدته ورخائه ، يشاركه أفراحه وأتراحه ويكونوا سويا بمثابة أسنان المشط إلا ما رحم ربي .


أحمد الشكيلي
adeebsqu@hotmail.com